في عالمنا الرقمي المتطور، أصبحت الشاشات جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية لأطفالنا. لكن خلف هذه الأسطح المضيئة تكمن مخاطر غالباً ما تظل غير معروفة وتستحق انتباهنا. بين التأثيرات على الصحة والتطور المعرفي والسلامة، دعونا نكشف معاً هذه المخاطر الخفية لحماية أطفالنا بشكل أفضل.
عيون هشة أمام الضوء الأزرق
يشكل الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات خطراً حقيقياً على الرؤية النامية للأطفال. وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (JAMA) في عام 2023، زاد انتشار قصر النظر لدى الأطفال من 6 إلى 8 سنوات بنسبة 28٪ في البلدان المتقدمة خلال العقد الماضي، وهي ظاهرة ترتبط ارتباطاً قوياً بزيادة استخدام الشاشات.
كما أن متلازمة الرؤية المعلوماتية، التي تتميز بجفاف العينين وعدم وضوح الرؤية والصداع، تؤثر أيضاً على عدد متزايد من المستخدمين الصغار. تفيد الأكاديمية الأمريكية لطب العيون أن ما يقرب من 70٪ من الأطفال الذين يقضون أكثر من 3 ساعات يومياً أمام الشاشة يعانون من عرض واحد على الأقل من أعراض إجهاد العين.
اضطراب النوم وعواقبه المتعددة
أحد الآثار الأكثر توثيقاً يتعلق باضطرابات النوم. كشفت المؤسسة الوطنية للنوم أن الأطفال الذين يستخدمون أجهزة الشاشة في الساعة التي تسبق وقت النوم يستغرقون في المتوسط 45 دقيقة أطول للنوم مقارنة بأولئك الذين لا يستخدمونها.
هذا النقص في النوم ليس بالأمر الهين. أظهرت دراسة طويلة أجرتها جامعة كاليفورنيا (2022) شملت 11,000 طفل أن التعرض للشاشات قبل النوم كان مرتبطاً بانخفاض متوسط 20 دقيقة من النوم كل ليلة وانخفاض 14٪ في الأداء المعرفي في اليوم التالي.
التطور المعرفي والانتباه: تأثيرات مقلقة
تشير أبحاث مركز الإعلام وصحة الطفل في بوسطن إلى أن كل ساعة إضافية من استخدام الشاشة يومياً لدى الأطفال دون سن الخامسة ترتبط بانخفاض بنسبة 9٪ في تطور اللغة و10٪ في قدرات الانتباه.
قد يساهم التعرض المفرط للمحتوى السريع والمحفز بشكل مفرط أيضاً في تطوير ما يسمى « الانتباه الجزئي المستمر »، وهي حالة يصبح فيها الطفل غير قادر على التركيز بشكل كامل على مهمة واحدة. وفقاً للمعهد الوطني للصحة والبحث الطبي (INSERM)، يفيد 62٪ من معلمي المرحلة الابتدائية بانخفاض ملحوظ في قدرة تلاميذهم على الانتباه خلال السنوات العشر الماضية.
مخاطر جسدية حقيقية
بعيداً عن التأثيرات المعرفية، تمثل الحوادث المرتبطة بالشاشات خطراً جسدياً غالباً ما يتم تجاهله. في عام 2021، سجل مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها الأمريكي (CDC) أكثر من 25,000 زيارة لغرف الطوارئ لأطفال ضحايا حوادث مرتبطة باستخدام الأجهزة الإلكترونية المحمولة.
قدرت دراسة AVICOU (Inserm/Sorbonne Université) لعام 2022 أن السقوط يمثل السبب الرئيسي لـ 550,000 استشارة سنوية للحوادث اليومية لدى الأطفال دون سن 15 عاماً. على الرغم من أن هذه الحالات ليست مرتبطة بشكل صريح بالشاشات في كل الحالات، إلا أن استخدام الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية أثناء المشي أو اللعب يزيد بشكل كبير من خطر التعثر، خاصة عند الأطفال الصغار.
يحدث نصف الحوادث المنزلية للأطفال دون سن الثامنة في المنزل، وغالباً أثناء الأنشطة التي تتضمن شاشات، مثل طفل مشتت بجهاز لوحي يصطدم بقطعة أثاث.
حالة مؤثرة بشكل خاص هي حالة إيما، 9 سنوات، التي أصيبت بحروق خطيرة في عام 2020 عندما ارتفعت درجة حرارة جهازها اللوحي الذي تُرك للشحن على سريرها أثناء الليل وتسبب في حريق. تذكرنا هذه الحادثة، التي أبلغت عنها لجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية، بأهمية الاحتياطات الأساسية التي غالباً ما يتم إهمالها.
مخاطر نفسية خفية
يمكن أن يكون للتعرض المبكر والمكثف للشاشات عواقب على الصحة العقلية أيضاً. أظهرت دراسة رئيسية نُشرت في مجلة JAMA Pediatrics (2023) شملت أكثر من 40,000 طفل وجود علاقة كبيرة بين وقت الشاشة اليومي وأعراض القلق والاكتئاب. الأطفال الذين يقضون أكثر من 4 ساعات يومياً أمام الشاشات لديهم خطر متزايد بنسبة 44٪ لتطوير أعراض القلق مقارنة بأولئك الذين يقتصرون على أقل من ساعة.
تؤثر ظاهرة التنمر الإلكتروني أيضاً على الأطفال الأصغر سناً بشكل متزايد. وفقاً لليونسكو (2022)، يصرح 33٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عاماً بأنهم كانوا ضحايا للتنمر عبر الإنترنت، مع عواقب دراماتيكية أحياناً على تقديرهم لذاتهم ورفاهيتهم النفسية.
في عام 2021، تم الإبلاغ عن حالات خطيرة من التنمر الإلكتروني والتعرض لمحتوى عنيف أو إباحي لدى أطفال لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات، مما أدى إلى اضطرابات نفسية شديدة، وحتى محاولات انتحار. تذكرنا هذه المواقف بأهمية المراقبة النشطة للأنشطة الرقمية للأطفال.
إدمان الشاشات: ظاهرة متزايدة
اعترفت منظمة الصحة العالمية رسمياً في عام 2018 باضطراب ألعاب الفيديو كمرض عقلي. تقدر دراسة أجرتها هيئة الصحة العامة الفرنسية في عام 2023 أن 8٪ من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و17 عاماً يظهرون سلوكيات إشكالية مرتبطة باستخدام الشاشات، مع علامات سريرية مماثلة لتلك الموجودة في أشكال أخرى من الإدمان.
توضح حالة لوكاس، 12 عاماً، التي وردت في المجلة الطبية Pediatrics، هذه المشكلة. كان هذا المراهق يقضي ما يصل إلى 14 ساعة يومياً أمام الشاشات، إلى درجة تطور اضطرابات شديدة في النوم، وتسرب مدرسي كامل، وعلامات سوء التغذية. استلزم علاجه في قسم متخصص عدة أشهر من العلاج.
توصيات للآباء
في مواجهة هذه المخاطر، وضع العديد من الخبراء والمنظمات الصحية توصيات واضحة لمساعدة الآباء على حماية أطفالهم:
قاعدة 3-6-9-12 (سيرج تيسيرون)
- قبل 3 سنوات: لا تلفزيون ولا شاشات.
- قبل 6 سنوات: لا أجهزة ألعاب شخصية.
- قبل 9 سنوات: لا وصول إلى الإنترنت بدون مرافقة.
- قبل 12 عاماً: لا وسائل تواصل اجتماعي.
الأربعة « لا » (سابين دوفلو)
- لا شاشات في الصباح.
- لا شاشات أثناء الوجبات.
- لا شاشات في غرفة النوم.
- لا شاشات قبل النوم.
توصيات المنظمات الصحية
- توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بتجنب الشاشات تماماً قبل 18-24 شهراً (باستثناء مكالمات الفيديو العائلية) وتحديد وقت الشاشة للأطفال من 2 إلى 5 سنوات بساعة واحدة يومياً.
- توصي الجمعية الكندية لطب الأطفال بحد أقصى ساعتين يومياً للأطفال من 5 إلى 12 عاماً.
- تؤكد منظمة الصحة العالمية على أهمية إعطاء الأولوية للأنشطة البدنية والاجتماعية لجميع الأعمار وتوصي بحد أقصى ساعة واحدة يومياً للأطفال من 2 إلى 5 سنوات، في إطار تعليمي ومع شخص بالغ.
ممارسات أبوية فعالة
- التأطير والحوار: رافقوا أطفالكم في استخدامهم للشاشات، ناقشوا المحتوى الذي يستهلكونه وضعوا حدوداً زمنية واضحة.
- اقتراح بدائل: شجعوا الأنشطة البدنية، والألعاب في الهواء الطلق، والتفاعلات الاجتماعية للحد من الاعتماد على الشاشات. أظهرت دراسة أجريت عام 2023 أن السياق العائلي والأنشطة البديلة تلعب دوراً أكثر أهمية من مجرد وقت التعرض.
- إظهار المثال: الأطفال يقلدون آباءهم. قللوا من وقت الشاشة الخاص بكم وتجنبوا استخدام الأجهزة خلال الأوقات العائلية.
الخلاصة: اليقظة والتعليم، أفضل وسائل الحماية
هذه البيانات لا تهدف إلى شيطنة الشاشات، التي توفر أيضاً فرصاً تعليمية وترفيهية لا يمكن إنكارها عندما تُستخدم بتمييز. بل تدعونا إلى وعي جماعي بالمخاطر المرتبطة بها واعتماد ممارسات أكثر صحة.
كآباء، مسؤوليتنا مزدوجة: الحد بشكل معقول من تعرض أطفالنا للشاشات وتعليمهم الاستخدام المسؤول والنقدي للتقنيات الرقمية. من خلال إيجاد هذا التوازن، يمكننا حمايتهم من المخاطر الخفية مع إعدادهم لعالم رقمي لا مفر منه.
التحدي ليس حظر الشاشات، ولكن خلق بيئة تُستخدم فيها بوعي وتوازن، لخدمة التطور المتناغم لأطفالنا.